الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ، أَصْحَابُكَ: مَا الَّذِي أَحِلُّ لَهُمْ أَكْلُهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَآكِلِ؟ فَقُلْ لَهُمْ: أَحِلُّ لَكُمْ مِنْهَا "الطَّيِّبَاتُ"، وَهِيَ الْحَلَّالُ الَّذِي أَذِنَ لَكُمْ رَبُّكُمْ فِي أَكْلِهِ مِنَ الذَّبَائِحِ وَأَحِلُّ لَكُمْ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ، صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ "الجَوَارِحِ"، وَهُنَّ الْكَوَاسِبُ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ. وَالطَّيْرُ سُمِّيَتْ"جَوَارِحُ"، لِجَرْحِهَا لِأَرْبَابِهَا، وَكَسْبِهَا إِيَّاهُمْ أَقْوَاتَهُمْ مِنَ الصَّيْدِ. يُقَالُ مِنْهُ: "جَرَحَ فُلَانٌ لِأَهْلِهِ خَيْرًا"، إِذَا أَكْسَبَهُمْ خَيْرًا، وَ"فَلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ"، يَعْنِي بِذَلِكَ: كَاسِبَهُمْ، وَ"لَا جَارِحَةَ لِفُلَانَةَ"، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا كَاسِبٌ وَمِنْهُ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ. ذَاتَ حَدٍّ مُنْضِجٍ مِيسَمُهَا *** تُذْكِرَ الجَارِحَ مَا كَانَ اجْتَرَحْ يَعْنِي: اكْتَسَبَ. وَتَرَكَ مِنْ قَوْلِهِ: "وَمَا عَلَّمْتُمْ"، "وَصَيْدُ" مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ، اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْرُهُ. وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ، فِيمَا بَلَغَنَا، كَانُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، عَمَّا يَحِلُّ لَهُمُ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا وَصَيْدُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ. فَاسْتَثْنَى مِمَّا كَانَ حَرَّمَ اتِّخَاذَهُ مِنْهَا، وَأَمَرَ بِقُنْيَةِ كِلَابِ الصَّيْدِ وَكِلَابِ الْمَاشِيَةِ، وَكِلَابِ الْحَرْثِ، وَأُذِنَ لَهُمْ بِاتِّخَاذِ ذَلِكَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حَبَّابٍ الْعُكْلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَلْمَى أَمِّ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ «قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ: قَدْ أَذِنَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ! قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْتُلَ كُلَّ كَلْبٍ بِالْمَدِينَةِ، فَقَتَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى امْرَأَةٍ عِنْدَهَا كَلْبٌ يَنْبَحُ عَلَيْهَا، فَتَرَكْتُهُ رَحْمَةً لَهَا، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَمَرَنِي فَرَجَعْتُ إِلَى الْكَلْبِ فَقَتَلْتُهُ. فَجَاؤُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَمَرْتَ بِقَتْلِهَا؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أَحِلُّ لَهُمْ قُلْ أُحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلَّبَيْنِ"». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ، فَقَتَلَ حَتَّى بَلَغَ الْعَوَالِيَ فَدَخَلَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، فَقَالُوا: مَاذَا أَحَلَّ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أَحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينِ".» حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثُونَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَاذَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ فَنَزَلَتْ: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أَحِلُّ لَهُمْ"»، الْآيَةَ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي "الجَوَارِحِ" الَّتِي عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: "وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كُلُّ مَا عُلِّمَ الصَّيْدَ فَتُعَلَّمَهُ، مِنْ بَهِيمَةٍ أَوْ طَائِرٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} "، قَالَ: كُلُّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ، مِنْ كَلْبٍ أَوْ صَقْرٍ أَوْ فَهْدٍ أَوْ غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ: "مُكَلِّبِينَ"، قَالَ: كُلُّ مَا عُلِّمَ فَصَادَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ فَهْدٍ أَوْ غَيْرِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِيصَيْدِ الْفَهْدِقَالَ: هُوَ مِنَ الْجَوَارِحِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} "، قَالَ: الطَّيْرُ وَالْكِلَابُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " مُكَلِّبِينَ "، قَالَ: مِنَ الْكِلَابِ وَالطَّيْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: "مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ "، قَالَ: مِنَ الطَّيْرِ وَالْكِلَابِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةَ ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْهَيْثَمِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: قَالَ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا مَا قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ: أَنَّ الصَّقْرَ وَالْبَازِي مِنَ الْجَوَارِحِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْهَيْثَمَ يُحَدِّثُ، عَنْ طَلْحَةَ الْإِيَامِيِّ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: بَيَّنْتُ لَكَ: أَنَّ الصَّقْرَ وَالْبَازَ وَالْكَلْبَ مِنَ الْجَوَارِحِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: الْبَازُ وَالصَّقْرُ مِنَ الْجَوَارِحِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرَّيْكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: الْبَازُ وَالصَّقْرُ مِنْ "الجَوَارِحِ الْمُكَلِّبَيْنِ".. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: "وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلَّبَيْنِ"، يَعْنِي بِ "الْجَوَارِحِ"، الْكِلَابَ الضَّوَارِيَ وَالْفُهُودَ وَالصُّقُورَ وَأَشْبَاهَهَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} "، قَالَ: مِنَ الْكِلَابِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الصُّقُورِ وَالْبِيزَانِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَلَّمُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} "، الْجَوَارِحُ: الْكِلَابُ وَالصُّقُورُ الْمُعَلَّمَةُ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ عَبِيدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: "مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ "، قَالَ: الْكِلَابُ وَالطَّيْرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} "، الْكِلَابَ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ السِّبَاعِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} "، قَالَ: هِيَ الْكِلَابُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} "، يَقُولُ: أَحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْكِلَابِ الَّتِي عَلَّمْتُوهُنَّ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَمَّا مَا صَادَ مِنَ الطَّيْرِ وَالْبُزَاةُ مِنَ الطَّيْرِ فَمَا أَدْرَكْتَ فَهُوَ لَكَ، وَإِلَّا فَلَا تَطْعَمْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: "كُلُّ مَا صَادَ مِنَ الطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ فَمِنَ الْجَوَارِحِ، وَأَنَّ صَيْدَ جَمِيعِ ذَلِكَ حَلَالٌ إِذَا صَادَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ"، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ: "وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ "، كُلَّ جَارِحَةٍ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا شَيْئًا. فَكُلُّ"جَارِحَةٍ"، كَانَتْ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ مِنْ كُلِّ طَائِرٍ وَسَبْعٍ، فَحَلَالٌ أَكْلُ صَيْدِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ خَبَرٌ، مَعَ مَا فِي الْآيَةِ مِنَ الدَّلَالَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَلَى صِحَّةٍ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَا:- حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مَجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ بْنِ حَاتِمٍ «قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْبَازِي فَقَالَ: مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُل». فَأَبَاحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَيْدَ الْبَازِي وَجَعَلَهُ مِنَ الْجَوَارِحِ. فَفِي ذَلِكَ دِلَالَةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: "عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: "وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ"، مَا عَلَّمْنَا مِنَ الْكِلَابِ خَاصَّةً، دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْجَوَارِحِ". فَإِنَّ ظَنَّ ظَانُّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: " مُكَلِّبِينَ "، دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْجَوَارِحَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْلِهِ: "وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ "، هِيَ الْكِلَابُ خَاصَّةً، فَقَدْ ظَنَّ غَيْرَ الصَّوَابِ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: قُلْ أَحِلَّ لَكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ، فِي حَالِ مَصِيرِكُمْ أَصْحَابَ كِلَابٍ الطَّيِّبَاتُ، وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُوهُ الصَّيْدَ مِنْ كَوَاسِبِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ. فَقَوْلُهُ: "مُكَلِّبِينَ "، صِفَةٌ لِلْقَانِصِ، وَإِنَّ صَادَ بِغَيْرِ الْكِلَابِ فِي بَعْضِ أَحْيَانِهِ. وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلٍ الْقَائِلُ يُخَاطِبُ قَوْمًا: "أَحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ مُؤْمِنِينَ". فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى قَائِلُ ذَلِكَ، إِخْبَارَ الْقَوْمِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَحَلَّ لَهُمْ، فِي حَالِ كَوْنِهِمْ أَهْلَ إِيمَانٍ، الطَّيِّبَاتِ وَصَيْدَ الْجَوَارِحِ الَّتِي أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْهُ إِلَّا مَا صَادُوهُ بِهِ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "أَحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِين" لِذَلِكَ نَظِيرُهُ، فِي أَنَّ التَّكْلِيبَ لِلْقَانِصِ بِالْكِلَابِ كَانَ صَيْدُهُ أَوْ بِغَيْرِهَا لَا أَنَّهُ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ لَا يَحُلُّ مِنَ الصَّيْدِ إِلَّا مَا صَادَتْهُ الْكِلَابُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ تفْسِيرُهَا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "تُعَلِّمُونَهُنَّ"، تُؤَدِّبُونَ الْجَوَارِحَ فَتُعْلِمُونَهُنَّ طَلَبَ الصَّيْدِ لَكُمْ "مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ "، يَعْنِي بِذَلِكَ: مِنَ التَّأْدِيبِ الَّذِي أَدَّبَكُمُ اللَّهُ، وَالْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَكُمْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: "مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ "، كَمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: "تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ "، يَقُولُ: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِنَ الطَّلَبِ كَمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ. وَلَسْنَا نَعْرِفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ"مَنْ" بِمَعْنَى "الكَافِ"، لِأَنَّ"مَنْ" تَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى التَّبْعِيضِ، وَ "الكَافِ" بِمَعْنَى التَّشْبِيهِ. وَإِنَّمَا يُوضَعُ الْحَرْفُ مَكَانَ آخَرَ غَيْرِهِ، إِذَا تَقَارَبَ مَعْنَيَاهُمَا. فَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَتْ مَعَانِيهُمَا، فَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِهِمْ وَضْعُ أَحَدِهِمَا عُقَيْبَ الْآخَرِ. وَكِتَابُ اللَّهِ وَتَنْزِيلُهُ أَحْرَى الْكَلَامِ أَنْ يُجَنَّبَ مَا خَرَجَ عَنِ الْمَفْهُومِ وَالْغَايَةِ فِي الْفَصَاحَةِ مِنْ كَلَامٍ مِنْ نَزَلَ بِلِسَانِهِ............ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَانِئٌ عُمَرُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرٌ: أَنْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ الطَّائِيَّ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ صَيْدِ الْكِلَابِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ لَهُ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ". قِيلَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يَسْتَشْلِيَ لِطَلَبِ الصَّيْدِ إِذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ وَيُمْسِكَ عَلَيْهِ إِذَا أَخَذَهُ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، وَيَسْتَجِيبُ لَهُ إِذَا دَعَاهُ، وَلَا يَفِرُّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ. فَإِذَا تَتَابَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا كَانَ"مُعَلَّمًا". وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ شَيْءٍ قَتَلَهُ صَائَدُكَ قَبْلَ أَنْ يُعَلَّمَ وَيُمْسِكَ وَيَصِيدَ، فَهُوَ مَيْتَةٌ. وَلَا يَكُونُ قَتْلُهُ إِيَّاهُ ذَكَاةً، حَتَّى يُعَلَّمَ وَيُمْسِكَ وَيَصِيدَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ ثُمَّ قَتَلَ، فَهُوَ ذَكَاتُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ الْمُعَلَّمَ مِنَ الْكِلَابِ: أَنْ يُمْسِكَ صَيْدَهُ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ فَيُدْرِكُ ذَكَاتَهُ، فَلَا يَأْكُلُ مِنْ صَيْدِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلُ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُعَلَّى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَاأَرْسَلَ الرَّجُلُ الْكَلْبَ فَأَكَلَ مِنْ صَيْدِهِفَقَدْ أَفْسَدَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَرْسَلَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَاللَّهُ يَقُولُ: " {مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} "، فَزَعَمَ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُضْرَبَ وَيُعَلَّمَ حَتَّى يَتْرُكَ ذَلِكَ الْخُلُقَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ الرَّقِيُّ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَخَذَ الْكَلْبُ فَقَتَلَ فَأَكَلَ، فَهُوَ سَبُعٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَأْكُلُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُعَلَّمًا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، وَلَمْ يَتَعَلَّمْ مَا عَلَّمْتَهُ. إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَلَا تَأْكُلْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بُنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: الرَّجُلُ يُرْسِلُ كَلْبَهُ فَيَأْكُلُ مِنْهُ، أَنَأْكُلُ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا لَمْ يَتَعَلَّمِ الَّذِي عَلَّمْتَهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ صَيْدِهِ فَاضْرِبْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ. حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَهُوَ مَيْتَةٌ، فَلَا تَأْكُلْهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْكَلْبِ إِذَا أَكَلَ مِنْ صَيْدِهِ: فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٍ: إِنْ وَجَدَتَ الْكَلْبَ قَدْ أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ، فَمَا وَجَدْتَهُ مَيِّتًا فَدَعْهُ، فَإِنَّهُ مِمَّا لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ صَيْدًا. إِنَّمَا هُوَ سَبْعٌ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ نَحْوَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ حَدُّوا لِمَعْرِفَةِ الْكِلَابِ بِأَنَّ كَلْبَهُ قَدْ قَبِلَ التَّعْلِيمَ وَصَارَ مِنَ الْجَوَارِحِ الْحَلَالِ صَيْدُهَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ كَلْبُهُ مَرَّاتٍ ثَلَاثًا. وَهَذَا قَوْلٌ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ: لَا حَدَ لِعِلْمِ الْكِلَابِ بِذَلِكَ مِنْ كَلْبِهِ، أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ كَلْبُهُ مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ لَهُ تَعْلِيمٌ. قَالُوا: فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ مُعَلَّمًا حَلَالًا صَيْدُهُ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفَرَّقَ بَعْضُ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ بَيْنَ تَعْلِيمِ الْبَازِي وَسَائِرِ الطُّيُورِ الْجَارِحَةِ وَتَعْلِيمِ الْكَلْبِ وَضَارِي السِّبَاعِ الْجَارِحَةِ، فَقَالَ: جَائِزٌ أَكْلُ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي مِنَ الصَّيْدِ. قَالُوا: وَإِنَّمَا تَعْلِيمُ الْبَازِي أَنْ يَطِيرَ إِذَا اسْتُشْلِيَ، وَيُجِيبَ إِذَا دُعِيَ، وَلَا يَنْفِرُ مِنْ صَاحِبِهِ إِذَا أَرَادَ أَخْذَهُ. قَالُوا: وَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ تَعْلِيمِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الصَّيْدِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحَجَّاجٌ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الْبَازِي وَإِنَّ أَكَلَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الطَّيْرِ: إِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ، فَكُلْ. فَإِنَّ الْكَلْبَ إِذَا ضَرَبْتَهُ لَمْ يَعُدْ. وَإِنَّ تَعْلِيمَ الطَّيْرِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ يُضْرَبُ إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ وَنَتَفَ مِنَ الرِّيشِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ الْبَازِي وَالصَّقْرُ كَالْكَلْبِ، فَإِذَا أَرْسَلْتَهُمَا فَأَمْسَكَا فَأَكَلَا فَدَعَوْتُهُمَا فَأَتَيَاكَ، فَكُلْ مِنْهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُبَيْدٍ، عَنْ مُطَرَّفٍ، عَنْ حَمَّادٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كُلْ صَيْدَ الْبَازِي وَإِنَّ أَكَلَ مِنْهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَجَابِرٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَا كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَازِ وَإِنَّ أَكَلَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِذَا أَكَلَ الْبَازِي وَالصَّقْرُ مِنَ الصَّيْدِ، فَكُلْ، فَإِنَّهُ لَا يُعَلَّمُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِمَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ: أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَازِي إِذَا أَكَلَ مِنْهُ، قَالَ: كُلْ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: سَوَاءٌ تَعْلِيمُ الطَّيْرِ وَالْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ، لَا يَكُونُ نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ مُعَلَّمًا إِلَّا بِمَا يَكُونُ بِهِ سَائِرُ الْأَنْوَاعِ مُعَلَّمًا. وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ الَّذِي صَادَتْهُ جَارِحَةٌ فَأَكَلَتْ مِنْهُ كَائِنَةٌ مَا كَانَتْ تِلْكَ الْجَارِحَةُ، بَهِيمَةً، أَوْ طَائِرًا. قَالُوا: لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ تَعْلِيمِهَا الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهَا: أَنَّ تُمْسِكَ مَا صَادَتْ عَلَى صَاحِبِهَا، فَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْ صَيْدِهِ فَلَا تَأْكُلْ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْبَازِي مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُلْ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الشَّنِّيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْبَازِي فَلَا تَأْكُلْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: الْكَلْبُ وَالْبَازِي كُلُّهُ وَاحِدٌ، لَا تَأْكُلُ مَا أَكَلَ مِنْهُ مِنَ الصَّيْدِ، إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ فَتُذَكِّيهِ. قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْبَازِي يَنْتِفُ الرِّيشَ؟ قَالَ: فَمَا أَدْرَكَتْهُ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ. قَالَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: تَعْلِيمُ كُلِّ جَارِحَةٍ مِنَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِِ وَاحِدٌ. قَالُوا: وَتَعْلِيمُهُ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهُ: أَنْ يُشْلَى عَلَى الصَّيْدِ فَيَسْتَشْلِي وَيَأْخُذُ الصَّيْدَ وَيَدْعُوهُ صَاحِبُهُ فَيُجِيبُ، وَلَا يَفِرُّ مِنْهُ إِذَا أَخَذَهُ. قَالُوا: فَإِذَا فَعَلَ الْجَارِحُ ذَلِكَ كَانَ"مُعَلَّمًا" دَاخِلًا فِي الْمَعْنَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ: " {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} ". قَالُوا: وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الصَّيْدِ. قَالُوا: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ، وَهُوَ يُؤَدَّبُ بِأَكْلِهِ؟
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ أَوْ سَعْدٍ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ عَلَى صَيْدٍ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَأَكَلَ ثُلْثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَكُلْ مَا بَقِيَ. حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بُنُ مَسْعَدَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَلْمَانَ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَلْمَانَ: أَنَّ الْكَلْبَ يَأْخُذُ الصَّيْدَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ، قَالَ: كُلْ، وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ، إِذَا أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، وَكَانَ مُعَلَّمًا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: كُلْ وَإِنَّ أَكَلَ ثُلْثَيْهِ يَعْنِي: الصَّيْدَ إِذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ شُعْبَةَ ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ جَمِيعًا، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَأَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَكُلْ.. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سَلْمَانَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَالْقَاسِمِ: أَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ فَكُلْ، وَإِنَّ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ أَوْ بَازَكَ، فَسَمَّيْتَ فَأَكَلَ نِصْفَهُ أَوْ ثُلُثَيْهِ، فَكُلْ بَقِيَّتَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْمٍ الدُّؤَلِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَاصٍ عَنِ الصَّيْدِ يَأْكُلُ مِنْهُ الْكَلْبُ، فَقَالَ: كُلْ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا حِذْيَةٌ- يَعْنِي: بَضْعَةٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ بُكَيْرِ بْنَ الْأَشَجِّ يُحَدِّثُ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: كُلْ، وَإِنَّ أَكْلَ ثُلُثَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ بُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ: سَمِعْتُهُ مَنْ سَعِيدٍ؟ قَالَ: لَا قَالَ: كُلْ وَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ شُعْبَةَ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: عَنْ سَعْدٍ. قَالَ: كُلْ، وَإِنَّ أَكَلَ نَصِفَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا أَرْسَلَتْ كَلْبَكَ فَأَكَلَ مِنْهُ، فَإِنْ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، فَكُلْ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ نُوحٍ الْعَطَّارُ، عَنْ عُمَرَ يَعْنِي: ابْنِ عَامِرٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: إِذَا أَرْسَلَتْ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ، فَكُلْ، وَإِنَّ أَكَلَ ثُلُثَيْهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبِيدُ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ، أَكَلَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: أَنْ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ: أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ الصَّيْدِ بَأْسًا، إِذَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ أَكَلَ مِنْهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ: أَنْ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِمَا أَكَلَ الْكَلْبُ الضَّارِي. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قُلْتَ لَنَا: كِلَابٌ ضَوَارٍ يَأْكُلْنَ وَيُبْقِينَ؟ قَالَ: كُلْ، وَإِنْ لَمْ يُبْقِ إِلَّا بَضْعَةً. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَعْدًا، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدَنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: "تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ": أَنَّ "التَّعْلِيمَ" الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْجَوَارِحِ، إِنَّمَا هُوَ أَنْ يُعَلِّمَ الرَّجُلُ جَارِحَهُ الِاسْتِشْلَاءَ إِذَا أُشْلِيَ عَلَى الصَّيْدِ وَطَلَبَهُ إِيَّاهُ إِذَا أَغْرَى، أَوْ إِمْسَاكَهُ عَلَيْهِ، إِذَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَأَلَّا يَفِرَّ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُ، وَأَنْ يُجِيبَهُ إِذَا دَعَاهُ. فَذَلِكَ، هُوَ تَعْلِيمُ جَمِيعِ الْجَوَارِحِ، طَيْرَهَا وَبَهَائِمَهَا. فَإِنْ أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ جَارِحَةُ صَائِدٍ فَجَارِحُهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُعَلَّمٍ. فَإِنْ أَدْرَكَ صَيْدَهُ صَاحِبُهُ حَيًّا فَذَكَّاهُ، حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ. وَإِنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا، لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا أَكَلَهُ السَّبُعُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ}، وَلَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَا:- حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّيْدِ فَقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ وَقَدْ قَتَلَ وَأَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. "» حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضِيلٍ، عَنْ بَيَانِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ؟ فَقَالَ: إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا، فَكُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ وَإِنْ قَتَلْنَ، إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا حَبَسَهُ عَلَى نَفْسِهِ. "» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِيمَا حَدَّثَكَ بِهِ:- عِمْرَانُ بْنُ بُكَّارٍ الْكُلَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي إِيَاسٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلَ الرَّجُلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَدْرَكَهُ وَقَدْ أَكَلَ مِنْهُ، فَلْيَأْكُلْ مَا بَقِي». قِيلَ: هَذَا خَبَرٌ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ" سَعِيدًا " غَيْرَ مَعْلُومٍ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ" سَلْمَانَ "، وَالثِّقَاتُ مَنْ أَهْلِ الْآثَارِ يَقِفُونَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَلْمَانَ، وَيَرْوُونَهُ عَنْهُ مِنْ قِبَلِهِ غَيْرَ مَرْفُوعٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ إِذَا تَتَابَعُوا عَلَى نَقْلِ شَيْءٍ بِصِفَةٍ، فَخَالَفَهُمْ وَاحِدٌ مُنْفَرِدٌ لَيْسَ لَهُ حِفْظُهُمْ، كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الْأَثْبَاتُ أَحَقَّ بِصِحَّةِ مَا نَقَلُوا مِنَ الْفَرْدِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ حِفْظُهُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي الْكَلْبِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ: مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ فَغَيْرُ مُعَلَّمٍ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ جَارِحَةٍ: فِي أَنَّ مَا أَكَلَ مِنْهَا مِنَ الصَّيْدِ فَغَيْرُ مُعَلَّمٍ، لَا يَحْلُ لَهُ أَكْلُ صَيْدِهِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ"، فَكُلُوا، أَيُّهَا النَّاسُ، مِمَّا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْعُمُومِ كَمَا عَمَّمَهُ اللَّهُ، حَلَالٌ أَكْلُ كُلِّ مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْنَا الْكِلَابُ وَالْجَوَارِحُ الْمُعَلَّمَةُ مِنَ الصَّيْدِ الْحَلَّالِ أَكْلُهُ، أَكَلَ مِنْهُ الْجَارِحُ وَالْكِلَابُ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ فَذُكِّيَ أَوْ لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ بِجُرْحِهَا إِيَّاهُ أَوْ بِغَيْرِ جَرْحٍ. وَهَذَا قَوْلُ الَّذِينَ قَالُوا: "تَعْلِيمُ الْجَوَارِحِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهَا أَنْ تُعَلَّمَ الِاسْتِشْلَاءُ عَلَى الصَّيْدِ، وَطَلَبِهِ إِذَا أُشْلِيَتْ عَلَيْهِ، وَأَخَذِهِ، وَتَرْكِ الْهَرَبِ مَنْ صَاحِبِهَا، دُونَ تَرْكِ الْأَكْلِ مِنْ صَيْدِهَا إِذَا صَادَتْهُ". وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَالرِّوَايَةِ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدِهَا الْوَارِدَةِ آنِفًا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ دُونَ الْعُمُومِ. قَالُوا: وَمَعْنَاهُ: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ مِنَ الصَّيْدِ جَمِيعِهِ دُونَ بَعْضِهِ. قَالُوا: فَإِنْ أَكَلَتِ الْجَوَارِحُ مِنْهُ بَعْضًا وَأَمْسَكَتْ بَعْضًا، فَالَّذِي أَمْسَكَتْ مِنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَكْلُهُ وَقَدْ أَكَلَتْ بَعْضَهُ، لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَمْسَكَتْ مَا أَمْسَكَتْ مِنْ ذَلِكَ الصَّيْدِ بَعْدَ الَّذِي أَكَلَتْ مِنْهُ، عَلَى أَنْفُسِهَا لَا عَلَيْنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا أَبَاحَ لَنَا كُلَّ مَا أَمْسَكَتْهُ جَوَارِحُنَا الْمُعَلَّمَةُ عَلَيْنَا بِقَوْلِهِ: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ"، دُونَ مَا أَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسِهَا. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: " تَعْلِيمُ الْجَوَارِحِ الَّذِي يَحِلُّ بِهِ صَيْدُهَا: أَنْ تَسْتَشْلِيَ لِلصَّيْدِ إِذَا أُشْلِيَتْ، فَتَطْلُبُهُ وَتَأْخُذُهُ، فَتُمْسِكُهُ عَلَى صَاحِبِهَا فَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا تَفِرُّ مِنْ صَاحِبِهَا". وَقَدْ ذَكَرْنَا مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْهُمْ جَمَاعَةً كَثِيرَةً وَنَذْكُرُ مِنْهُمْ جَمَاعَةً أُخَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ"، يَقُولُ: كُلُوا مِمَّا قَتَلْنَ قَالَ عَلِيٌّ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنْ قَتَلَ وَأَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، وَإِنَّ أَمْسَكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَذَكِّهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنْ أَكَلَ الْمُعَلَّمُ مِنَ الْكِلَابِ مِنْ صَيْدِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ فَيُدْرِكُ ذَكَاتَهُ، فَلَا يَأْكُلْ مِنْ صَيْدِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ"، إِذَا صَادَ الْكَلْبُ فَأَمْسَكَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ، فَهُوَ حِلٌّ. فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ، فَيُقَالُ: إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. فَلَا تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا، إِنَّهُ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أَحِلُّ لَهُمْ" إِلَى قَوْلِهِ: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، قَالَ: إِذَا أَرْسَلَتْ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ أَوْ طَيْرَكَ أَوْ سَهْمَكَ، فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ، فَأَخَذَ أَوْ قَتَلَ، فَكُلْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانِ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ: إِذَا أَرْسَلَتْ كَلْبَكَ الْمُعَلِّمَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تُرْسِلُهُ، فَأَمْسَكَ أَوْ قَتْلَ، فَهُوَ حَلَالٌ. فَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْهُ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ قَوْلُهُ: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ"، قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَرْضِي أَرْضُ صَيْدٍ؟ قَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ، فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عَلَيْكَ كَلْبُكَ وَإِنْ قَتَلَ. فَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ.» وَقَدْ بَيَّنَّا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَبْلُ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ وَتَكْرَارِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ دُخُولِ"مِنْ"، فِي قَوْلِهِ: "فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ"، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا صَيْدَ جَوَارِحِنَا الْحَلَالَ، وَ"مِنْ" إِنَّمَا تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ مُبَعِّضَةً لِمَا دَخَلَتْ فِيهِ؟ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ فِي مَعْنَى دُخُولِهِا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ: دَخَلَتْ"مِنْ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِغَيْرِ مَعْنًى، كَمَا تُدْخِلُهُ الْعَرَبُ فِي قَوْلِهِمْ: "كَانَ مِنْ مَطَرٍ" وَ"كَانَ مِنْ حَدِيثٍ". قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 271]، وَقَوْلُهُ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [سُورَةُ النُّورِ: 43]، قَالَ: وَهُوَ فِيمَا فُسِّرَ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ جِبَالًا فِيهَا بَرَدٌ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَ" وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ"، أَيْ: مِنَ السَّمَاءِ مَنْ بَرَدَ، بِجَعْلِ "الجِبَالِ مَنْ بَرَدٍ" فِي السَّمَاءِ، وَبِجَعْلِ الْإِنْزَالِ مِنْهَا. وَكَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَيَقُولُ: لَمْ تَدْخُلْ"مِنْ" إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُومٍ، لَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَلَا يَصْلُحُ إِلَّا بِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى التَّبْعِيضِ. وَكَانَ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ"قَدْ كَانَ مِنْ مَطَرٍ" وَ"كَانَ مِنْ حَدِيثٍ"; هَلْ كَانَ مِنْ مَطَرٍ مُطِرَ عِنْدَكُمْ؟ وَهَلْ مِنْ حَدِيثٍ حُدِّثَ عِنْدَكُمْ؟ وَيَقُولُ: مَعْنَى: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ}، أَيْ: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ مَا يَشَاءُ وَيُرِيدُ وَفِي قَوْلِهِ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ}، فَيُجِيزُ حَذْفَ"مِنْ" مِنْ "مِنْ بَرَدٍ" وَلَا يُجِيزُ حَذْفَهَا مِنْ "الجِبَالِ"، وَيَتَأَوَّلُ مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ أَمْثَالَ جِبَالٍ بَرَدٍ، ثُمَّ أُدْخِلَتْ"مِنْ" فِي "البَرَدِ"، لِأَنَّ "البَرَدَ" مُفَسَّرٌ عِنْدَهُ مِنْ "الأَمْثَالِ" أَعْنِي: "أَمْثَالَ الْجِبَالِ"، وَقَدْ أُقِيمَتِ "الْجِبَالُ" مُقَامَ "الأَمْثَالِ"، وَ "الجِبَالِ" وَهِيَ"جِبَالُ بَرَدٍ" فَلَا يُجِيزُ حَذْفَ"مِنْ" مِنْ "الجِبَالِ"، لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي السَّمَاءِ الَّذِي أُنْزِلَ مِنْهُ الْبَرَدُ، أَمْثَالُ جِبَالٍ بَرَدٍ. وَأَجَازَ حَذْفَ"مِنْ" مِنْ "الْبَرَدِ"، لِأَنَّ "البَرَدِ" مُفَسَّرٌ عَنِ "الأَمْثَالِ"، كَمَا تَقُولُ: "عِنْدِي رِطْلَانِ زَيْتًا" وَ"عِنْدِي رِطْلَانِ مِنْ زَيْتٍ"، وَلَيْسَ عِنْدَكَ "الرَّطْلُ"، وَإِنَّمَا عِنْدَكَ الْمِقْدَارُ. فَ"مِنْ" تَدْخُلُ فِي الْمُفَسِّرِ وَتَخْرُجُ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ عِنْدَ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ: مِنَ السَّمَاءِ، مِنْ أَمْثَالِ جِبَالٍ، وَلَيْسَ بِجِبَالٍ. وَقَالَ: وَإِنْ كَانَ: "أَنْزَلَ مِنْ جِبَالٍ فِي السَّمَاءِ مِنْ بَرَدٍ جِبَالًا"، ثُمَّ حَذَفَ "الجِبَالَ" الثَّانِيَةَ، وَ "الجِبَالُ" الْأَوَّلُ فِي السَّمَاءِ، جَازَ. تَقُولُ: "أَكَلْتُ مِنَ الطَّعَامِ"، تُرِيدُ: أَكَلْتُ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا، ثُمَّ تَحْذِفُ "الطَّعَامَ" وَلَا تُسْقِطُ"مِنْ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ"مِنْ" لَا تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ إِلَّا لِمَعْنًى مَفْهُومٍ، وَقَدْ يَجُوزُ حَذْفُهَا فِي بَعْضِ الْكَلَامِ وَبِالْكَلَامِ إِلَيْهَا حَاجَةٌ، لِدَلَالَةِ مَا يَظْهَرُ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا. فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْكَلَامِ لِغَيْرِ مَعْنًى أَفَادَتْهُ بِدُخُولِهَا، فَذَلِكَ قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِيمَا صَحَّ مِنَ الْكَلَامِ. وَمَعْنَى دُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ: " {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} "، لِلتَّبْعِيضِ، إِذْ كَانَتِ الْجَوَارِحُ تُمْسِكُ عَلَى أَصْحَابِهَا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ لُحُومَهُ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فَرْثَهُ وَدَمَهُ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "فَكُلُوا" مِمَّا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمُ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَحْلَلْتُ لِكُمْ مِنْ لُحُومِهَا، دُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَائِثِهِ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، مِمَّا لَمْ أُطَيِّبْهُ لَكُمْ. فَذَلِكَ مَعْنَى دُخُولِ"مِنْ" فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ}، فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهُ دُخُولِهَا فِيهِ فِيمَا مَضَى، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا دُخُولُهَا فِي قَوْلِهِ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ}، فَسَنُبَيِّنُهُ إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ..
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} عَلَى مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ مِنَ الصَّيْدِ. كَمَا:- حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: "وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، يَقُولُ: إِذَا أَرْسَلَتْ جَوَارِحَكَ فَقُلْ: "بِسْمِ اللَّهِ"، وَإِنْ نَسِيتَ فَلَا حَرَجَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ: "وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ"، قَالَ: إِذَا أَرْسَلَتْهُ فَسَمِّ عَلَيْهِ حِينَ تُرْسِلُهُ عَلَى الصَّيْدِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاتَّقَوْا اللَّهَ، أَيُّهَا النَّاسُ، فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، فَاحْذَرُوهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُقْدِمُوا عَلَى خِلَافِهِ، وَأَنْ تَأْكُلُوا مِنْ صَيْدِ الْجَوَارِحِ غَيْرِ الْمُعَلَّمَةِ، أَوْ مِمَّا لَمْ تُمْسِكَ عَلَيْكُمْ مِنْ صَيْدِهَا وَأَمْسَكَتْهُ عَلَى أَنْفُسِهَا، أَوْ تَطْعَمُوا مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِمَّا صَادَهُ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَعَبَدَةُ الْأَصْنَامِ وَمَنْ لَمْ يُوَحِّدِ اللَّهَ مِنْ خَلْقِهِ، أَوْ ذَبَحُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوهُ. ثُمَّ خَوَّفَهُمْ إِنْ هُمْ فَعَلُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ. فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَرِيعٌ حِسَابُهُ لِمَنْ حَاسَبَهُ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِ مِنْكُمْ وَشُكْرِ الشَّاكِرِ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، لِأَنَّهُ حَافَظٌ لِجَمِيعِ ذَلِكَ فِيكُمْ، فَيُحِيطُ بِهِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيُجَازِيَ الْمُطِيعَ مِنْكُمْ بِطَاعَتِهِ، وَالْعَاصِيَ بِمَعْصِيَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ جَزَاءَ الْفَرِيقَيْنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "الْيَوْمَ أَحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ"، الْيَوْمَ أَحِلُّ لَكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، الْحَلَالُ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْمَطَاعِمِ دُونَ الْخَبَائِثِ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَلٌّ لَكُمْ"، وَذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهُمُ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ، فَدَانُوا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا "حَلٌّ لَكُمْ" يَقُولُ: حَلَّالٌ لَكُمْ، أَكْلُهُ دُونَ ذَبَائِحِ سَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ. فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَقَرَّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ ذَبَائِحُهُمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ فِيمَنْ عَنَى اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ"، مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ ذَبِيحَةَ كُلِّ كِتَابِيٍّ مِمَّنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ، أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ فِي مِلَّتِهِمْ فَدَانَ دِينُهُمْ، وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا، وَحَلَّلَ مَا حَلَّلُوا، مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَصِيفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، الْآيَةَ [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 51]. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَثَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَبِتَزَوُّجِ نِسَائِهِمْ، وَيَتْلُوَانِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِذَبِيحَةِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَقَرَأَ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}، [سُورَةُ مَرْيَمَ: 64]. حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍِ عَنْ ذَبِيحَةِ نَصَارَى الْعَرَبِ، قَالَ. تُؤْكَلُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ فِي الدِّينِ أَهْلُ كَتَابٍ، وَيَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: إِنَّمَا يُقِرُّونَ بِدِينِ ذَلِكَ الْكِتَابِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا وَقَتَادَةَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَقَالُوا: لَا بَأْسَ بِهَا. قَالَ: وَقَرَأَ الْحَكَمُ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ}، [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 78]. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُوا مِنْ ذَبَائِحِ بَنِي تَغْلِبَ، وَتَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 51]، فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إِلَّا بِالْوِلَايَةِ، لَكَانُوا مِنْهُمْ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَكَانَ يَقُولُ: انْتَحَلُوا دِينًا، فَذَاكَ دِينُهُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِالَّذِينِ أُوتُوا الْكِتَابَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، الَّذِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَبْنَائِهِمْ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ دَخِيلًا فِيهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ مِمَّنْ دَانَ بِدِينِهِمْ وَهُمْ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمْ يُعْنَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يَحِلُّ أَكْلُ ذَبَائِحِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أُوتِيَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِ الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا قَوْلٌ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُهُ حَدَّثْنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيعُ وَيَتَأَوَّلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَ مَنْ كَرِهَ ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ. ذِكْرُ مَنْ حَرَّمَ ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَمَسَّكُونَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا بِشَيْءٍ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ، فَقَالَ: لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينِهِمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: نَهَانَا عَلِيٌّ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يُحَدِّثُ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ، وَذَبَائِحَ نَصَارَى أَرْمِينِيَّةَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، مِنْ أَجْلٍ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، لِتَرْكِهِمْ تَحْلِيلَ مَا تُحَلِّلُ النَّصَارَى، وَتَحْرِيمَ مَا تُحَرِّمُ، غَيْرَ الْخَمْرِ. وَمَنْ كَانَ مُنْتَحِلًا مِلَّةً هُوَ غَيْرُ مُتَمَسِّكٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ فَهُوَ إِلَى الْبَرَاءَةِ مِنْهَا أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى اللَّحَاقِ بِهَا وَبِأَهْلِهَا. فَلِذَلِكَ نَهَى عَلِيٌّ عَنْ أَكْلِ ذَبَائِحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، لَا مِنْ أَجْلٍ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ إِجْمَاعًا مِنَ الْحُجَّةِ أَنْ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ وَيَهُودِيٍّ دَانَ دِينَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ فَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا، وَحَرَّمَ مَا حَرَّمُوا، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَبَيِّنٌ خَطَأُ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ، وَتَأْوِيلُهُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ فِي قَوْلِهِ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ"، أَنَّهُ ذَبَائِحُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصَوَابُ مَا خَالَفَ تَأْوِيلَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنْ كُلَّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ فَحَلَالٌ ذَبِيحَتُهُ، مِنْ أَيِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ كَانَ. وَأَمَّا "الطَّعَامُ" الَّذِي قَالَ اللَّهُ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ "، فَإِنَّهُ الذَّبَائِحُ. وَبِمَثَلٍ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَلٌّ لَكُمْ"، قَالَ: الذَّبَائِحُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} "، قَالَ: ذَبَائِحُهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَقَبِيصَةَ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} "، قَالَ: ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: " {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} "، قَالَ: ذَبَائِحُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَقَبِيصَةُ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَلٌّ لَكُمْ"، قَالَ: ذَبَائِحُهُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: " {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} "، أَيْ: ذَبَائِحُهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} "، أَمَّا طَعَامُهُمْ، فَهُوَ الذَّبَائِحُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} "، قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا طَعَامَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَّا قَوْلُهُ: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ"، فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَنَا طَعَامَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ عَمَّاذُبِحَ لِلْكَنَائِسِ وَسُمِّيَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُ شَيْئًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ حُدَيْرِ بْنِ كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ: أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ كَبْشٍ ذُبِحَ لِكَنِيسَةٍ يُقَالُ لَهَا"جِرْجِسُ"، أَهْدَوْهُ لَهَا، أَنَأْكَلُ مِنْهُ؟ فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: اللَّهُمَّ عَفْوًا! إِنَّمَا هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، طَعَامُهُمْ حِلٌّ لَنَا، وَطَعَامُنَا حِلٌّ لَهُمْ! وَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ"، فَإِنَّهُ يَعْنِي: ذَبَائِحُكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، حِلٌّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "وَالْمُحَصَّنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ"، أُحِلَّ لَكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْهُنَّ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ "، يَعْنِي: وَالْحَرَائِرُ مِنَ الَّذِينَ أُعْطُوا الْكِتَابَ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ دَانُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَنْ قَبْلِكُمْ، أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَرَبِ وَسَائِرِ النَّاسِ، أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ أَيْضًا "إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ"، يَعْنِي: إِذَا أَعْطَيْتُمْ مَنْ نَكَحْتُمْ مِنْ مُحْصِنَاتِكُمْ وَمُحْصِنَاتِهِمْ "أُجُورَهُنَّ"، وَهِيَ مُهُورُهُنَّ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُحْصَنَاتِ اللَّاتِي عَنَاهُنَّ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: " وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ الْحَرَائِرَ خَاصَّةً، فَاجِرَةً كَانَتْ أَوْ عَفِيفَةً. وَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ نِكَاحَ الْحُرَّةِ، مُؤْمِنَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، مِنْ أَيِ أَجْنَاسِ النَّاسِ كَانَتْ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً، فَاجِرَةً كَانَتْ أَوْ عَفِيفَةً. وَحَرَّمُوا إِمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يُتَزَوَّجْنَ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شَرْطَ مِنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ الْإِيمَانَ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}، [سُورَةُ النِّسَاءِ: 25].
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} "، قَالَ: مِنَ الْحَرَائِرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، قَالَ: مِنَ الْحَرَائِرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَخُطِبَتْ إِلَيْهِ أُخْتُهُ، وَكَانَتْ قَدْ أَحْدَثَتْ، فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ مِنْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا رَأَيْتَ مِنْهَا؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِنْهَا إِلَّا خَيْرًا! فَقَالَ: زَوِّجْهَا وَلَا تُخْبِرْ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرٌ قَالَ: زَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا مِنْ هَمْدَانَ، قَالَ: فَجَلَدَهَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدَّ ثُمَّ تَابَتْ. فَأَتَوْا عُمَرُ فَقَالُوا: نُزَوِّجُهَا، وَبِئْسَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِهَا! قَالَ عُمَرُ: لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ ذَكَرْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لِأُعَاقِبَنَّكُمْ عُقُوبَةً شَدِيدَةً. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ أُخْتَهُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَخْشَى أَنْ أَفْضَحَ أَبِي، فَقَدْ بَغَيْتُ! فَأَتَى عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ تَابَتْ؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: فَزَوَّجْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنْنُبَيْشَةَ، امْرَأَةً مِنْ هَمْدَانَ، بَغَتْ، فَأَرَادَتْ أَنْ تَذْبَحَ نَفْسَهَا، قَالَ: فَأَدْرَكُوهَا، فَدَاوَوْهَا فَبَرِئَتْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَقَالَ: انْكِحُوهَا نِكَاحَ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَصَابَتْ أُخْتُهُ فَاحِشَةً، فَأَمَرَّتِ الشَّفْرَةَ عَلَى أَوْدَاجِهَا، فَأُدْرِكَتْ، فَدُووِيَ جُرْحُهَا حَتَّى بَرِئَتْ. ثُمَّ إِنْ عَمَّهَا انْتَقَلَ بِأَهْلِهِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَرَأَتِ الْقُرْآنَ وَنَسَكَتْ، حَتَّى كَانَتْ مَنْ أَنْسِكِ نِسَائِهِمْ. فَخُطِبَتْ إِلَى عَمِّهَا، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُدَلِّسَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُفْشِيَ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهِ، فَأَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَفْشَيْتَ عَلَيْهَا لِعَاقَبْتُكَ! إِذَا أَتَاكَ رَجُلٌ صَالِحٌ تَرْضَاهُ فَزَوِّجْهَا إِيَّاهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ: أَنَّ جَارِيَةً بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهَا: "نُبَيْشَةُ"، أَصَابَتْ فَاحِشَةً، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَةً لِي كَانَتْ وُئِدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاسْتَخْرَجْتُهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، فَأَدْرَكَتِ الْإِسْلَامَ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ أَصَابَتْ حَدًّا مَنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَعَمِدَتْ إِلَى الشَّفْرَةِ لِتَذْبَحَ بِهَا نَفْسَهَا، فَأَدْرَكَتُهَا وَقَدْ قَطَعَتْ بَعْضَ أَوْدَاجِهَا، فَدَاوَيْتُهَا حَتَّى بَرِئَتْ، ثُمَّ إِنَّهَا أَقْبَلَتْ بِتَوْبَةٍ حَسَنَةٍ، فَهِيَ تُخْطَبُ إِلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُخْبِرُ مِنْ شَأْنِهَا بِالَّذِي كَانَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَتُخْبَرُ بِشَأْنِهَا؟ تَعْمِدُ إِلَى مَا سَتَرَهُ اللَّهُ فَتُبْدِيهِ! وَاللَّهِ لَئِنْ أَخْبَرْتَ بِشَأْنِهَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ لِأَجْعَلَنَّكَ نَكَالًا لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ، بَلْ أَنْكِحْهَا بِنِكَاحِ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنْ رَجُلًا خَطَبَ مِنْ رَجُلٍ أُخْتَهُ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا قَدْ أَحْدَثَتْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَضَرَبَ الرَّجُلَ وَقَالَ: مَا لَكَ وَالْخَبَرِ! أَنْكِحُ وَاسْكُتْ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَدَعَ أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَةً فِي الْإِسْلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُحْصَنَةً! فَقَالَ لَهُ أَبِيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقْبَلُ مِنْهُ إِذَا تَابَ! وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، الْعَفَائِفَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، إِمَاءً كُنَّ أَوْ حَرَائِرَ. فَأَجَازَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِنِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِالدَّائِنَاتِ دِينَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، قَالَ: الْعَفَائِفُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، قَالَ: إِحْصَانُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ: أَنْ لَا تَزْنِيَ، وَأَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَِيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، قَالَ: إِحْصَانُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ: أَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَأَنْ تُحْصِنَ فَرْجَهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَنْ قَبْلِكُمْ"، قَالَ: إِحْصَانُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ: أَنْ لَا تَزْنِيَ، وَأَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، قَالَ: إِحْصَانُهَا: أَنْ تَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَأَنْ تُحْصِنَ فَرْجَهَا مِنَ الزِّنَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}، قَالَ: الْعَفَائِفُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، قَالَ: أَمَّا "المُحْصَنَاتُ"، فَهُنَّ الْعَفَائِفُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ امْرَأَةً اتَّخَذَتْ مَمْلُوكَهَا وَقَالَتْ: تَأَوَّلْتُ كِتَابَ اللَّهِ: "وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، قَالَ: فَأُتِيَ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَأَوَّلَتْ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا. قَالَ فَغَرَّبَ الْعَبْدَ وَجَزَّ رَأْسَهُ. وَقَالَ: أَنْتِ بَعْدَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الَّتِي تَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُدْخَلَ بِهَا قَالَ: لَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي الْبِكْرِ تَفْجُرُ قَالَ: تُضْرَبُ مِئَةُ سَوْطٍ، وَتُنْفَى سُنَّةً، وَتَرُدُّ عَلَى زَوْجِهَا مَا أَخَذَتْ مِنْهُ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ: أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا رَأَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَاحِشَةً فَاسْتَيْقَنَ، فَإِنَّهُ لَا يُمْسِكُهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: مَمْلُوكَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ حَرَائِرِهِمْ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي حُكْمِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، أَعَامٌ أَمْ خَاصٌّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَامٌّ فِي الْعَفَائِفِ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ "الْمُحْصَنَاتِ"، الْعَفَائِفُ. وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ كُلَّ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ، حَرْبِيَّةً كَانْتْ أَوْ ذِمِّيَّةً. وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، وَأَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِنَّ الْعَفَائِفُ، كَائِنَةٌ مَنْ كَانَتْ مِنْهُنَّ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِ "الْمُحْصَنَاتِ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعَفَائِفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ اللَّوَاتِي عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، الْحَرَائِرَ مِنْهُنَّ، وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِهِنَّ. فَنِكَاحُ جَمِيعِ الْحَرَائِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى جَائِزٌ، حَرْبِيَّاتٍ كُنَّ أَوْ ذِمِّيَّاتٍ، مِنْ أَيِ أَجْنَاسِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كُنَّ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ: أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِنِكَاحِ نِسَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَالَا أَحَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ نِكَاحَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابِيَّاتِ مِنْهُنَّ خَاصَّةً، دُونَ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ الَّذِينَ دَانُوا بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ قَالَ بِقَوْلِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَعْنِيٌ بِهِ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ذِمَّةٌ وَعَهْدٌ. فَأَمَّا أَهْلُ الْحَرْبِ، فَإِنَّ نِسَاءَهُمْ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَقَبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَقْسِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَحِلُّ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحِلُّ لَنَا، ثُمَّ قَرَأَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}، [سُورَةُ التَّوْبَةِ: 29]. فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ، وَمَنْ لَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ لَمْ يَحِلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ قَالَ الْحَكَمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ، فَأَعْجَبَهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِقَوْلِهِ: " {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} "، حَرَائِرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ. لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَأْذَنْ بِنِكَاحِ الْإِمَاءَ الْأَحْرَارِ فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَاحَهُنَّ لَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُنَّ مُؤْمِنَاتٍ، فَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 25]، فَلَمْ يَبُحْ مِنْهُنَّ إِلَّا الْمُؤْمِنَاتِ. فَلَوْ كَانَ مُرَادًا بِقَوْلِهِ: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحَصَّنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ "، الْعَفَائِفُ، لَدَخَلَ الْعَفَائِفُ مِنْ إِمَائِهِمْ فِي الْإِبَاحَةِ، وَخَرَجَ مِنْهَا غَيْرُ الْعَفَائِفِ مِنْ حَرَائِرِهِمْ وَحَرَائِرِ أَهْلِ الْإِيمَانِ. وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا حَرَائِرَ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِنْ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: 32]. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: "لَا يَحِلُّ نِكَاحُ مَنْ أَتَى الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُؤْمِنِينَ"، فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَنِكَاحُ حَرَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ حَلَّالٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، كُنْ قَدْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ أَوْ لَمْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ، ذِمِّيَّةً كَانَتْ أَوْ حَرْبِيَّةً، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا يَخَافُ النَّاكِحُ فِيهِ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْكُفْرِ، بِظَاهِرِ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَنْ قَبْلِكُمْ". فَأَمَّا قَوْلُ الَّذِي قَالَ: "عَنَى بِذَلِكَ نِسَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، الْكِتَابِيَّاتِ مِنْهُنَّ خَاصَّةً" فَقَوْلٌ لَا يُوجِبُ التَّشَاغُلَ بِالْبَيَانِ عَنْهُ، لِشُذُوذِهِ وَالْخُرُوجِ عَمَّا عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ، مِنْ تَحْلِيلِ نِسَاءِ جَمِيعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادِ قَوْلِ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ"، فَإِنَّ "الأَجْرَ": الْعِوَضُ الَّذِي يَبْذُلُهُ الزَّوْجُ لِلْمَرْأَةِ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَهُوَ الْمَهْرُ. كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: "آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ"، يَعْنِي: مُهُورَهُنَّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: أَحِلُّ لَكُمُ الْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَنْ قَبْلِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُحْصَنُونَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " مُحْصِنِينَ "، أَعِفَّاءَ "غَيْرَ مُسَافِحِينَ"، يَعْنِي: لَا مُعَالِنَيْنِ بِالسَّفَّاحِ بِكُلِّ فَاجِرَةٍ، وَهُوَ الْفُجُورُ "وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ"، يَقُولُ: وَلَا مُنْفَرِدِينَ بِبَغِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، قَدْ خَادَنَهَا وَخَادَنَتْهُ، وَاتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَدِيقَةً يَفْجُرُ بِهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الإِحْصَانِ" وَوُجُوهَهُ وَمَعْنَى "السَّفَّاحِ" وَ "الخِدْنِ" فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: "مُحْصَنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ"، يَعْنِي: يَنْكِحُوهُنَّ بِالْمَهْرِ وَالْبَيِّنَةِ غَيْرَ مُسَافِحِينَ مُتَعَالِنِينَ بِالزِّنَا "وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ"، يَعْنِي: يُسِرُّونَ بِالزِّنَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا مُحْصَنَتَيْنِ: مُحْصَنَةً مُؤْمِنَةً، وَمُحَصَّنَةً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ "وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ": ذَاتُ الْخِدْنِ، ذَاتُ الْخَلِيلِ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ: أَيَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ قَالَ: مَا لَهُ وَلِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ أَكْثَرَ اللَّهُ الْمُسَلَّمَاتِ! فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَعْمِدْ إِلَيْهَا حَصَانًا غَيْرَ مُسَافِحَةٍ. قَالَ الرَّجُلُ: وَمَا الْمُسَافِحَةُ؟ قَالَ: هِيَ الَّتِي إِذَا لَمَحَ الرَّجُلُ، إِلَيْهَا بِعَيْنِهِ اتَّبَعَتْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "وَمَنْ يَكْفُرُ بِالْإِيمَانِ"، وَمَنْ يَجْحَدْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ، مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَهُوَ "الإِيمَانُ"، الَّذِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: "وَمَنْ يَكْفُرُ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ" يَقُولُ: فَقَدْ بَطَلَ ثَوَابُ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ فِي الدُّنْيَا، يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَ بِهِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ. "وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، يَقُولُ: وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ، وَعَمَلِهِمْ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ"، عَنَى بِهِ أَهْلَ الْكِتَابِ، وَأَنَّهُ أَنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ قَوْمٍ تَحَرَّجُوا نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: "أَحِلُّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مَنْ قَبْلِكُمْ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: كَيْفَ نَتَزَوَّجُ نِسَاءَهُمْ يَعْنِي: نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ دِينِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: " {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} "، فَأَحَلَّ اللَّهُ تَزْوِيجَهُنَّ عَلَى عِلْمٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ "الإِيمَانِ" قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: " {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} "، قَالَ: "اللَّهُ "، الْإِيمَانُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ عَطَاءٍ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ"، قَالَ: "الْإِيمَانُ"، التَّوْحِيدُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "وَمَنْ يَكْفُرُ بِالْإِيمَانِ"، قَالَ: بِاللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بِزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"، قَالَ: مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ"، قَالَ: مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ"، قَالَ: الْكُفْرُ بِاللَّهِ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ. قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: " {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} "، قَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّ "الإِيمَانَ" هُوَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ عَمَلًا إِلَّا بِهِ، وَلَا يُحَرِّمُ الْجَنَّةَ إِلَّا عَلَى مَنْ تَرَكَهُ. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَمَا وَجْهُ تَأْوِيلِ مَنْ وَجَّهَ قَوْلَهُ: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ"، إِلَى مَعْنَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ؟ قِيلَ: وَجْهُ تَأْوِيلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَنْ "الإِيمَانَ" هُوَ التَّصْدِيقُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ وَمَا ابْتَعَثَهُمْ بِهِ مِنْ دِينِهِ، وَ "الكُفْرَ" جُحُودُ ذَلِكَ. قَالُوا: فَمَعْنَى "الكُفْرِ بِالْإِيمَانِ"، هُوَ جُحُودُ اللَّهِ وَجُحُودُ تَوْحِيدِهِ. فَفَسَّرُوا مَعْنَى الْكَلِمَةِ بِمَا أُرِيدَ بِهَا، وَأَعْرَضُوا عَنْ تَفْسِيرِ الْكَلِمَةِ عَلَى حَقِيقَةِ أَلْفَاظِهَا وَظَاهِرِهَا فِي التِّلَاوَةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا تَأْوِيلُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَقِيقَةُ أَلْفَاظِهَا؟ قِيلَ: تَأْوِيلُهَا: وَمَنْ يَأْبَ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَيَمْتَنِعْ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَالطَّاعَةِ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ، فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ. وَذَلِكَ أَنْ "الكُفْرَ" هُوَ الْجُحُودُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَ "الإِيمَانَ" التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ. وَمَنْ أَبَى التَّصْدِيقَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارِ بِهِ، فَهُوَ مِنَ الْكَافِرِينَ فَذَلِكَ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِهِ.
|